*NOW Time :

بريد ياهو

Yahoo! ID:

Password:

Eqla3_soft.com

Google

الأربعاء، ديسمبر ٠٦، ٢٠٠٦

الصحافة الهدامة

نافذة على الصحافة
تاريخ النشر: 25 نوفمبر 2006
الصحافة السوداء فى مصر ( تجربة ذاتية ) بقلم : د .محمد نور فرحات
لم يحدث منذ أمسكت بالقلم معبرا عن آرائي فى الصحافة المصرية و العربية أن هاجمت الصحافة و الصحفيين . بل كنت دائما ومازلت مدافعا عن حقوق الصحفيين وحقوق أصحاب الرأى و الفكر فى التعبير الحر عن الرأي بلا قيود ومطالبا بإلغاء كافة القيود المفروضة على حرية الرأى و التعبير فى القوانين المصرية وأظهرها القوانين العقابية التى تفرض عقوبات سالبة للحرية على ممارسة إبداء الرأى و التعبير عنه . وأعتقد أن كثيرين من أصحاب مهنة الرأى وغيرهم من جمهور وخاصة المثقفين يعلمون الدور المتواضع الذى قمت به مع زملاء لى من الصحفيين ورجال القانون فى لجنة إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر التى شكلت من الحكومة ومن نقابة الصحفيين تنفيذا لوعد السيد رئيس الجمهورية .
ولم أكن أحسب مطلقا أن يأتى اليوم الذى ألدغ فيه من الصحافة ومن أصحاب مهنة الرأى و الضمير ولدغة الصحافة قد تميت الشخص معنويا وقد تلحق به الأذى إلأى الحد الذى قد يقعده عن ممارسة دوره الاجتماعى إن كان له مثل هذا الدور الاجتماعى وقد تمس شرفه وسمعته. وهى فى أقل أضرارها قد تمثل اعتداء على حق الشخص فى ألا ينسب إليه ما صدر منه من أقوال وتصريحات بنسبة آراء وأقوال منه لم تصدر منه أصلا . وهل هناك ما يمثل أكثر من هذا اعتداء على الحقوق الأدبية للإنسان .عندئذ قد يصبح الشخص بواسطة الممارسة الصحفية المنحرفة معتنقا لفكر لم يخطر بباله أن يعتنقه فيصبح مثلا الاشتراكى رأسماليا اشتراكيا و العلمانى أصوليا و الأصولى داعيا إلى الفصل بين الدين و الدولة ، بل ويصبح الشخص المتعقل المتأدب فى عباراته شخصيا عيابا وشتاما ويصبح الهادئ منفعلا وتصبح الراقصة واعظة دينية و الواعظ الدينى داعية للفسق و الفجور بفعل الصحافة وأقلام الصحفيين وهلم جرا . عندئذ تعمل الصحافة على تجريد الناس من هوياتهم واقتحام خصوصياتهم وإلباسهم أردية لم يردوها ولا يرغبون فى ارتدائها أى أنها تحمل الناس على أن يكونوا غير ما يريدون أن يكونوا ، وأن ينطقوا بغير مايريدون أن ينطقوا به وهل هناك من اغتيال معنوى أكثر من ذلك .
وهذا بالضبط ما حدث معى ، إذ حادثنى صحفى من جريدة الكرامة وزاد من إلحاحه إلى حد اللجاجة أخبرنى أنه من تلاميذى وأنه يسعده أن يجرى حوارا معى لنشره بالجريدة ورحبت به مضطرا لأتخلص من إلحاحه قبل هذا بأسبوع كان الأستاذ ماهر حسن الصحفى بجريدة العربى قد أجرى معى حوارا نشره كاملا بالجريدة استعرض فيه آرائى فى كثير من مشاكلنا الاجتماعية و السياسية ووجهت فيه كثيرا من النقد للسياسات المطبقة سواء فى مجال التعليم أو التشريع أو العمل السياسى كما وجهت نقدا شديدا للتعديلات الدستورية التى أدخلت على المادة 76 من الدستور ، وقد نشر الصحفى المحترم و الجريدة المحترمة الحوار دون تحريف ، ودون تلاعب بالعناوين ودون نسبة أقوال لم يقلها صاحبها ودون إبراز لما هو هامشى أو تهميش لما هو رئيسى ، وكان الحوار كما نشر معبرا تماما عن آرائى وتوجهاتى لذا استحق احترامى وقوبل بتقدير ممن تسنى لهم قراءته حتى وإن كانوا من المختلفين معى فى الرأى .
ما حدث مع تلميذى الصحفى فى جريدة الكرامة أمر مختلف تماما . لقد حضر إلى فى مكتبى وبعد التحية و السلام و التذكير بمحاضراتى التى ألقيتها علية فى الجامعة بدأ الحديث الذى أخبرنى أنه غير مسجل لأنه نسى جهاز التسجيل مع زميله . وأظنه كان يكذب حتى يشجعنى على الاسترسال فى الحديث دون توجس . وعلى أية حال فقد توجست من حديثى معه عندما بدأه بسؤال عن رأيى فى حكم الرئيس مبارك . وراودتنى ظنون ثبتت صحتها بعد نشر الحديث أن المطلوب هو استخدام كلماتى لتوجيه قذائف من الشتائم وليس مجرد النقد لنظام الحكم الحالى . وليست من أشياع نظام الحالى ولا من الموافقين على سياساته وأنقد الكثير منها كل النقد ، ولكن الفارق بين النقد و الشتائم فرق كبير يعلمه أصحاب الرأى و القلم . و النقد لا يهاب قول الحق بذكر المثالب بجرأة وشجاعة وذكر الحسنات بجرأة وشجاعة أيضا دون مساس بشخص أو تجريح لذات . أما الشتائم و السخائم فلا يهمها إلا إهالة التراب على كل شئ ولا تهمها الحقائق فى كثير أو قليل . إيجابياته وخلق رأى عام وقى قادر على ممارسة النقد ورؤية الأمور بموضوعية ، أما الشتائم و السخائم فلا يهمها البناء بل لا تسعى إلا إلى الهدم ولمجرد الهدم . ولقد شهدت صفحات المصور منذ أن بدأـ الكتابة فيها أوائل الثمانينات كيف كان قلمى يوجه النقد دائما ويعاف التجريح الشخصي ، وكيف كان القلم يعزف عن التجريح حتى ولو بدا التجريح مبرر لأن التجريح لا ينتج فكرا بل ينتج شحنا وحزازات وكراهية . نسى تلميذي الصحفي كل هذا التاريخ الذى أمضيته فى الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأى و التعبير ومحاربة الفساد وواتته شجاعة ممقوتة فى الإثم أن يضيف إلى ما قلت من أوجه للنقد السياسى عبارات وعناوين تنسب كذبا على لسانى ، عبارتى أبرزتها الصحيفة فى عناوينها ولو قالها غيرى لاستهجنت منه ذلك أشد الاستهجان . حتى خيل لى وأنا أقرأ الحوار أن المتحدث شخص آخر غيرى عبارات عن الحكم الحالى بأنه مصيبة سوداء وأن نظام الحكم ميت وليس لنا أن نتوقع منه شيئا ونقل على لسانى تصريحات ورسائل للرئيس لم أقلها وأقل ما توصف به أنها رسائل غثة خارجة عن حدود الأدب و اللياقة فى مخاطبة المواطنين بعضهم بعضا فما بالنا بمخاطبة الرؤساء .
ولايفهم القارئ من هذا أننى أجفل عن نقد نظام الحكم أو أعزف عنه ، فقد انتقدته فى كتاباتى ومازلت ، وانتقدته فى محاضراتى العامة و المؤتمرات العلمية و السياسية التى أتحدث فيها ومازلت ، وانتقدته فى حواراتى العلنية مع المسئولين ومازلت ، وأحسب أن النقد وإن حادا كان يؤتى ثماره أحيانا فى تصويب ما يجب تصويبه ، وكان يذهب فى كثير من الأحيان إدراج الرياح ، ولكن نقدى كان دائما أصاب أو خطأ ، أثمر أو أجدب، يبتعد عما هو غث من العبارات وعما هو جارح من الأوصاف، فكيف بتلميذى الصحفى الذى يمثل جيلا جديدا من صحافة الشتائم يجردنى مما حرصت علية طوال تاريخى فى العمل العلمى والعمل العام ، أهكذا تهون أقدار رجال مصر ، أم هكذا يدهس أصحاب الآراء تحت جحافل شباب صحافة المغول المتوحشة التى لاتقيم وزنا لقيم ولا تدعى للكلمة حرمة مادام الأمر يتعلق بتحقيق إثار سياسية أو تصفية حسابات شخصية عن طريق الشتائم وحدها .
وإذا كان الصحفى الشاب يريد أن يشتم ويسب نظام الحكم و القائمين على نظام الحكم فليفعلها وحده باسمة لا باسم الآخرين ، لا لأننا نخشى عاقبة مواجهة الحاكم ولكن لأننا نريد أن تكون مواجهة الحاكم برأس مرفوعة وقلم حر يدافع عن الحق و الحرية . وليس بمدافع عن الحق أو الحرية كل سباب شتام بل هؤلاء السبابون الشتامون هم أول من يهربون ويلوذون بالفرار عندما تحين ساعة المواجهة بالحقيقة .
ومن أسف أن ثمة مدرسة قميئة مستجدة على الصحافة المصرية جنودها من صغار الصحفيين الذين يبحثون عن الشهرة فى معرض بحثهم عن لقمة العيش لم يتعلموا فن الصحافة المحترمة على يد رجالات القلم القاسى و العفيف فى نفس الوقت من أمثال العقادوطه حسين وسلامة موسى و التابعى وفكرى أباظة وغيرهم ولكنهم يمارسون الصحافة بالعنف وقلة القيمة تمام كما يقود الشباب سياراتهم فى الطريق العام وكما وكما يتلفظون بالفاحش من القول دون خجل أو حياء فى المنتديات.
هذه الصحافة التى تشتم لوجه الشتيمة وحدها انتقلت إلى مرحلة جديدة وهى مرحلة استنطاق الآخرين بالسب و الشتيمة حتى يصبح سوء الخلق سنة شائعة فى الصحافة المصرية تلطخ الجميع ولاينجو منها أحد و العاقبة هى فوضى القلم بعد فوضى القيم و الأخلاق . ولهذه الصحافة الشتامة ولرجالها من الصحفيين الشبان الشتامين مناهج وتقاليد وحيل وألاعيب أخذ تنكشف يوما بعد يوم ويئن من جراحها الكتاب الشرفاء وأصحاب القلم العف و الكلمة الصادقة التى تغلف الصدق بالحياء الذى هو نصف الدين .
من هذه المناهج أو الحيل و التكتيكات أن يستدرجك الصحفى فى حوار تحسبه من قبيل ( الدردشة ) الشخصية ، ثم تفاجأ به بعد ذلك وقد قلب رأسا على عقب ووضع أوله فى أخره ومزقت أطرافه وأعيد تركيبها مشوهة ووضعت لها عناوين مثيرة لم تخطر ببال صاحبها بل إنه حتى هذا الاستدراج للدردشة لم يحاول تلميذى الصحفى أن يجهد نفسه به معى فاستسهل الاختلاف محض الاختلاق و التزييف وجعلنى أنطق بما يريد أن ينطق هو به ولكنه عزف عن النطق به عجزا أو تصفية لحساب شخصى أو تحقيقا لأهداف لا أعلمها .
ولم تجرؤ صحيفة الكرامة أو تلميذى الذى أجرىمعى الحوار على التحدى بصحة ما هو منشورا استنادا إلى تسجيل صوتى له وإن جرأت الصحيفة أو جرؤ الصحفى على ذلك فإننى أواجه التحدى بتحدى أكبر . ولن أفعل ما فعله غيرى باللجوء إلى القضاء وكيف أفعل وأنا الذى بذلت جهدا وفيرا وزمنا فى المعاونة فى تنقية قانون العقوبات من النصوص التى كان يحبس بها الصحفيون . ولكننى أحتكم إلى الراى العام وإلى نقابة الصحفيين القائمة على تفعيل ميثاق الشرف الصحفى وإلى المجلس الأعلى للصحافة القائم على استقامة الضمير الصحفى .
وما أتعسه من موقف انتقل فيه من منصه الدفاع عن الصحافة و الصحفيين لأعتلى منصة الاتهام و الهجوم ولكن هذا هو قدرنا فى وقت ضاعت فية الحدود بين الحق و الباطل وبين الحلال و الحرام وبين حرية الرأى وحرية العبث بأراء الناس وبين شرف القلم واستخدام القلم أداة للتشهير . إن حماية الحرية لا تأتى إلا بحمايتها من عبث أعدائها ، وأعداء الحرية ليسوا هم من يقصفون القلم فقط ولكن أيضا من يسخرون القلم لاغتيال كرامة الناس .

ليست هناك تعليقات: